المؤتمر الدولي السابع بماليزيا
ترجمة التراث العُماني.. الرؤى والآفاق
الأربعاء والخميس 1 و2 ربيع الآخر 1444هـ/ 26 و27 أكتوبر 2022م
إن التواصل الحضاري بين الأمم يُعَدُّ ركيزة أساسية من ركائز التعارف بينها، وهو عنوان نضجها وفتوّتها، وبرهان نشاطها وتجدّدها، ولا ريب أن تناقل العلوم والآداب والفنون يتصدر مظاهر هذا التواصل، لأنه يجري بين نُخَبٍ معرفية لها شأنها ومكانتها في التأثير. وقد ازدهرت حركة الترجمة عند المسلمين منذ القرون الهجرية الأولى، وأفادوا واستفادوا، حتى تشكلت لديهم حصيلة علمية مطبوعة بطابع متميز، يستوعب المعارف الأخرى، ويعرّب اصطلاحاتها، ويوظّف مناهجها في صياغةِ معرفةٍ إسلامية رصينة، تجمع بين المرونة والانفتاح، والحفاظ على الهوية الأصيلة.
وفي عُمان كان الموقع الجغرافي عاملا كبيرا في تنوع اللغات، وتمازج الحضارات، حتى أن بعض اللغويين القدامى تحرَّزَ من أخذ اللغة عن أزد عُمان؛ «لمخالطتهم للهند والفُرس» حسب تعبيره، ونجد المقدسي في (أحسن التقاسيم) يقول عن إقليم عُمان: «أهل هذا الإقليم لغتهم العربية إلا بصُحَار فإن نِدَاهم وكلامهم بالفارسية». وهذا أمر معهود في مدن الساحل، أما جبال عُمان ودواخلها فتَصْدُق عليها عبارة الأعرابي العُماني: «إِنَّا بقُطر لا تُسمع فيه ناجخةُ التيار» يعني صوت الموج.
ومن هذا الباب شهدت بعض اللغات حضورًا في المدونات العمانية، متمثلة في ألفاظ متناثرة لم تتعدّ استعمال العامّة في الحياة اليومية، ولم تَرْقَ إلى الكتابة بها في نصوص مطولة، كبعض الألفاظ الفارسية والهندية، وتصادفنا في كتب النوازل الفقهية جملة ألفاظ دخلت إلى عُمان من أثر التفاعل الحضاري. وفي المقابل؛ وُجدت في عمان – وخاصة في أطرافها – لغات متعددة يتكلم بها أقلية من الناس، كالجبّالية (أو الشحرية)، والمهرية، والبطحرية، والحرسوسية، والكمزارية. كما وفدت إلى المحيط العماني لغات أخرى عبر العصور، كالبلوشية، والعجمية، والزدجالية، واللواتية، والسواحلية. وتُصَنَّف بعض اللغات السابقة ضمن دائرة خطر الانقراض؛ لقلة مَنْ يتحدث بها، ولكونها لغات محكيّة تفتقر إلى التدوين والتوثيق.
هذا التمهيد عن تنوع اللغات يقودنا إلى البحث عن انعكاساته في التراث العماني، وهل دَرَس العمانيون لغات غير العربية وكتبوا بها؟ أو كانت لهم إلمامة ببعض مفرداتها فقط؟ ولو أخذنا مثالا واحدا عليها (وهو السواحلية) لوجدنا تأثيرا واضحا للعمانيين في معجمها، وكانت لهم تدوينات بها، كتبوها بالحرف العربي إلى وقت قريب، نمثّل لذلك بكتاب السر العلي في خواص النبات بالتصريف السواحلي؛ للشيخ ناصر بن أبي نبهان الخروصي (ت1262هـ)، ومثله كتاب: كنوز الأسرار في علم الأشجار والأحجار بلغة أهل السواحل وعُمان؛ للشيخ محمد بن جمعة بن سعيد بن عيسى المغيري، وكتابات الشيخ الأمين بن علي المزروعي (ت1366هـ)، وكتابات الشيخ عبد الله بن صالح الفارسي (ت1403هـ). وثمة نصوص شعرية سواحلية بالحرف العربي في مدونات الشيخ خميس بن سالم بن خميس المسكري (ت١٣٩٤هـ). ولا تخلو هذه الكتابات من شروح عربية لمفرداتها، وهي محاولات مبكرة للترجمة.
والتساؤلات السابقة تثير تساؤلات أخرى: هل اقتصرت الترجمة على العلوم الإنسانية؟ أو تَعَدَّتْها إلى العلوم التجريبية والبحتة؟ كما نرى في كتابات الشيخ ابن أبي نبهان وغيره في علوم النبات والصيدلة، وقريبٌ منها عناية بعض الأطباء العمانيين برصد مسميات الأدوية بالعربية ومرادفاتها في اللغات الأخرى. ولا يخفى أن وثائق السجلات، والمراسلات الديوانية والاجتماعية، وكتب الرحلات والمذكرات، حافلة باصطلاحات دخيلة جديرة بالرصد، حتى تُفهم على نحو دقيق.
ثم ظهر مؤخرًا أعلامٌ عمانيون عُنوا بالترجمة، يمكن أن نصطلح على تسميتهم بالجيل الأول من الروّاد المترجمين، مثل: محمد أمين عبد الله البستكي (ت1402هـ/ 1982م)، وأحمد بن حمود المعمري (ت1412هـ/ 1992م). وهؤلاء ترجموا من العربية إلى غيرها، ومن لغات أخرى إلى العربية. ولعل الشق الأول هو الذي يعنينا عند الحديث عن (ترجمة التراث العماني)، لأن الشق الثاني ينصبّ معظمه في نقل دراسات غير عمانية إلى اللغة العربية. هذا ما يخص العمانيين أنفسهم وإسهاماتهم في حركة ترجمة التراث العماني قديما وحديثا.
ومن المفيد هنا أن لا نغفل جانبا آخر متصلا بالتراث العماني لكنه بأقلام غير عمانية، وهو المخطوطات الوافدة إلى عمان المكتوبة بغير العربية، وما نراه من كتابات غير عربية مقيدة في بطون المخطوطات وظهورها، ومجموعُها جديرٌ بالاستقراء والدراسة، لاستكشاف مصادرها ومآخذها، وقديما قال بعض علماء المخطوطات: على مفهرسي المخطوطات ودارسيها أن يُلمّوا بثلاث لغات يكثر حضورها في التراث العربي الإسلامي؛ وهي الفارسية والأوردية والتركية العثمانية.
ومن هذا المنطلق تحسن الالتفاتة إلى رصد مساعي غير العمانيين في نقل التراث العماني إلى لغات أخرى، وعلى رأس هؤلاء: المستشرقون الذين استحوذوا على مخطوطات عمانية، ونشروا نصوصها الكاملة أو مقتطفات منها بلغات متعددة كالإنجليزية والألمانية والفرنسية والروسية. وكل ما سبق يستحق وقفة تقويم لدراسة تاريخ حركة ترجمة التراث العماني ومراحلها وإيجابياتها وسلبياتها، وهل نجحت فعلا في توصيل الرسالة الحضارية العمانية إلى الشعوب الأخرى، وما هي التحديات والصعوبات التي واجهتها؛ لكي يقتبس الجيل الجديد من المترجمين العمانيين مِنْ جهود مَنْ سبقهم، ويرتقوا بالتجربة إلى مستوى أحسن.
● محاور المؤتمر:
– المحور الأول: الترجمة مفتاح التواصل بين الشعوب
هذا المحور مدخل عام إلى المؤتمر، يقدم تمهيدا عن حركة الترجمة منذ القرون الهجرية الأولى إلى زماننا، ومدى إسهامها في نقل المعرفة والتواصل بين الشعوب والحضارات والثقافات. ويناقش بوجه خاص أثر الجغرافية العمانية في التفاعل مع شعوب ناطقة بغير العربية، ويبحث المعارف والألفاظ التي دخلت إلى عُمان من أثر هذا التفاعل.
– المحور الثاني: تنوع اللغات في التراث العماني
يسعى إلى رصد حضور اللغات في نصوص التراث العماني، وتقييدات المخطوطات، ويجيب عن التساؤلات: هل ألف العمانيون بغير العربية؟ وهل قرأوا بغيرها؟ وما مقدار استمدادهم من اللغات الأخرى؟ وما مدى حاجة مفهرس المخطوطات العمانية إلى الإلمام ببعض اللغات كالسواحلية والفارسية والأردية والعثمانية؟
– المحور الثالث: حركة ترجمة التراث عند العمانيين
يتناول تاريخ حركة ترجمة التراث عند العمانيين في شتى المجالات، ابتداءً من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى العلوم التجريبية والوثائق والسجلات، ويسلط الضوء على سِيَرِ رُوّاد الترجمة العمانيين وأبرز أعلامها، ويستعرض نماذج من بواكير الأعمال المترجمة. كما يعرّج على مساعي غير العمانيين في ترجمة التراث العماني إلى لغات أخرى.
– المحور الرابع: ترجمة التراث.. الضوابط والإشكالات
يستعرض تجارب لترجمة التراث العماني، ويحاول دراستها وتقويمها، مع تبادل وجهات النظر حول التحديات والإشكالات التي تواجه المشتغلين بترجمة النصوص التراثية، تمهيدا لرسم ضوابط تصحح حركة الترجمة وتحسّن من مستواها وجدواها.