فهد بن علي السعدي
من الكتب التي كنتُ أسمعُ بها ولم أقف عليها كتاب المراقي، تأليف محمد بن علي بن عبد الباقي (حي906هـ)([1])، ولطالما تشوّقت نفسي إلى معرفة محتواه ومضمونه، خاصّةً بعد أن ذكر المؤرّخ البطّاشي أنه وقف على أوراقٍ منه في خزانة أحمد بن عبدالله الحارثي بولاية القابل/ سلطنة عمان([2])، وهذه الأوراق لم أطّلع عليها إلى وقتنا هذا.
ووقفتُ بعد ذلك على فصلٍ في بعض أخبار أهل عمان منقولٍ من كتاب المراقي تأليف ابن عبد الباقي، وهو ملحقٌ بالقطعة الثانية من كتاب إيضاح البيان وسلوّ الأحزان تأليف خميس بن غسان بن محمد بن غسان الغساني الخراسيني النزوي، نسخها صالح بن حمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سيف البطراني النزوي لمؤلِّفها الشيخ خميس بن غسان بن محمد بن غسان الغساني الخراسيني النزوي، وكان تمام نسخه نهار السبت 28 جمادى الأولى 1183هـ، وهي محفوظة بدار المخطوطات العُمانيّة؛ برقم (2136). ويقع الفصل المذكور في ثلاث عشرة صفحة، ويسبق الفصْلَ الكلامُ الآتي: «زِيادَةٌ مِنْ غَيْرِ الكِتابِ مِمَّا وَجَدْتُهُ مِنْ كِتابِ المراقي تَأْليفِ مُحَمّدِ بنِ عَلِيٍّ بنِ عبْدِ الباقي في ذِكْرِ أَخْبارِ أَهْلِ عُمانَ وَفَضائِلِهِمْ وَمَناقِبِهِمْ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُلْحِقَ بِهِ هُنَا»، وآخرُهُ: «تَمَّ ما انْتَخَبْتُهُ مِنْ كِتابِ المَراقِي، وَالحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبيِّ خَيْرِ خَلْقِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»، ونظرًا لقيمة الفصل العلميّة، وهو نصٌّ نادرٌ يتيمٌ من كتابٍ مفقودٍ حينها عندي؛ قمتُ بتحقيق الفصل المذكور وكتابة مقدّمةٍ له، ونشرتُه سنة 1437هـ/ 2016م ضمن سلسلةٍ عنونتُها بـ”جواهر مخفيّة من التاريخ العُماني”.
وكان من توفيق الله تعالى أن عثرتُ على نُسْخَةٍ من كتاب المراقي ضمن دار المخطوطات العُمانيّة في شهر جمادى الثانية 1438هـ، يوافقه شهر مارس 2017م، وهي فيها برقم (255)، وقد وقفتُ عليها أوّلًا، ولم أهتدِ إلى معرفتها؛ إذ لم ترد الإشارة إلى عنوان الكتاب في جميع صفحاته، وإنّما يردُ خلاله التصريح باسم مؤلِّف الكتاب محمد بن علي بن عبد الباقي([3])، الذي يتكرّر اسمه في العديد من صفحات الكتاب، ثم وقفتُ على بابه الحادي والثلاثين: في ذكر فتن أهل عُمان، وعند قراءة محتواه تذكّرتُ الفصل المنقول من كتاب المراقي لابن عبد الباقي، وعند المقارنة بينه وبين ما يقابله في الباب المذكور وجدتُ المحتوى واحدًا، والكلام نفسه، وتعليقات ابن عبد الباقي هي نفسها فيهما، ومن هنا اهتديتُ إلى عنوان الكتاب “المراقي”، الذي هو من تأليف محمد بن علي بن عبد الباقي.
هذه النسخة بحالةٍ جيّدةٍ في أغلب صفحاتها، ويوجد بها ثقوبٌ في صفحاتها الأولى بفعل الأرضة، وتمزّقٌ في الورقة الأخيرة منها، وهي كاملة الأبواب، عدا نقصٍ في آخر مسائل في أصول الدِّين مضافة إليها، وهي ممّا أضافه ابن عبد الباقي نفسه لكتابه([4]). وتقع هذه النسخة في 355 صفحة، ولا يوجد بها قيد الختام، فهي مجهولة الناسخ وتأريخ النسخ، ولكن بالنظر إلى تاريخ القيود الخارجة عنها فهي تعود إلى حدود سنة 1104هـ، فقد جاء بخطٍّ آخر غير خطّ الناسخ ما مفاده أنه عرضه صالح على نسخته في عصر الإمام سيف بن سلطان بن سيف بن مالك اليعربي، وكان تمامه ليلة النصف من صفر 1104هـ.
جعل المؤلِّف كتابه في خمسة وثلاثين بابًا، ولم يجعل لكتابه مقدّمةً، وهذه هي أبوابه: الأول: في الأخبار، والثاني: في الأخبار المرويّة عن النبي ﷺ، والثالث: في التقليد من جامع أبي محمد رحمه الله، والرابع: في الناسخ والمنسوخ من جامع أبي محمد رحمه الله، والخامس: في الردّ على يقول بخلق القرآن من القدريّة والمعتزلة، والسادس: في الناسخ والمنسوخ وما جاء فيه، والسابع: في المحكم والمتشابه من جامع أبي محمد رحمه الله، والثامن: في الحجّة على من يدّعي الزيادة والنقصان في القرآن من جامع أبي محمد رحمه الله، والتاسع: في الأسماء وما يدلّ على مسمّياتها من جامع أبي محمد رحمه الله، والعاشر: في أحكام القرآن، والحادي عشر: في ما يذكر الشيء، ويراد غيره إذا كان من سببه، والثاني عشر: في الإضمار والكناية، والثالث عشر: في الخاصّ والعامّ، والرابع عشر: في المسألة لله والدُّعاء، والخامس عشر: فيما يتعلّق بالكلام، والسادس عشر: في دفع الحجج وفي الحجج من كتاب بيان الشرع، والسابع عشر: في قيام الحجّة بالعلماء وغيرهم، والثامن عشر: فيما يجوز فتياه وفي جواز الفتيا، والتاسع عشر: في العالم والمتعلِّم، والعشرون: في الفتيا، والحادي والعشرون: في الفتيا والأخذ بها، والثاني والعشرون: في الفتيا والأخذ بها أيضًا، والثالث والعشرون: في قبول الفتيا وقيام الحجّة، والرابع والعشرون: في جواب المستفتي من العلم، والخامس والعشرون: فيمن يجوز له أن يفتي بالرأي، والسادس والعشرون: في ضمان المفتي، والسابع والعشرون: في الفتوى، والثامن والعشرون: في ذمّ التقليد، والتاسع والعشرون: في التعبّد في الظواهر والسرائر، والثلاثون: في الفتوى وكيف يفعل المستفتى؟ والحادي والثلاثون: في ذكر فتن أهل عُمان، والثاني والثلاثون: في مبعث النبيّ ﷺ، والثالث والثلاثون: في الفِرَقِ، والرابع والثلاثون: في ذكر الفرقة الرابعة من الفِرَق الأربع، وهم الشِّيَعُ، والخامس والثلاثون: في ذكر شيءٍ من ألفاظ النبيّ ﷺ.
اعتمد ابن عبد الباقي في كتابه على ثلاثة مراجع أساسية، هي: جامع أبي محمد عبدالله بن محمد بن بركة (ق4هـ)، والجزء الأول من بيان الشرع، تأليف أبي عبدالله محمد بن إبراهيم بن سليمان الكندي (ت508هـ)، والكشف والبيان، تأليف أبي عبدالله محمد بن سعيد القلهاتي (ق7هـ)، وهذه المصادر صرّح بها في بعض المواضع من كتابه([5])، ولم يصرِّح بها في أكثر الأحوال([6]).
نقل ابن عبد الباقي محتوى أبوابه من المراجع المذكورة نقلًا دون تصرّفٍ منه إلا في أحوال نادرةٍ بالاختصار([7])، وهذا هو بيان مصادر أبوابه المذكورة، فنقل أبوابه الأول، والثاني، والثالث، والرابع، والسابع، والثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر، وبعض الباب الخامس عشر من جامع ابن بركة، ونقل الأبواب الخامس، والسادس، والثاني والثلاثين، والثالث والثلاثين، والرابع والثلاثين، والخامس والثلاثين من كتاب الكشف والبيان، ونقل الأبواب السادس عشر، والسابع عشر، والثامن عشر، والتاسع عشر، والعشرين، والحادي والعشرين، والثاني والعشرين، والثالث والعشرين، والرابع والعشرين، والخامس والعشرين، والسادس والعشرين، والسابع والعشرين، والثامن والعشرين، والتاسع والعشرين، والثلاثين من الجزء الأول من كتاب بيان الشرع. وبقي الباب الحادي والثلاثون في ذكر فتن أهل عثمان، لم أهتدِ إلى مصدر أكثر ما جاء فيه عدا ما أورده من أول الباب إلى آخر ما جاء فيه من تأريخ أئمة عُمان في القرنين الثاني والثالث الهجريين، فهو من سيرة أبي قحطان خالد بن قحطان، وتضمّن أشعارًا ليست من السيرة، وأخبارًا لم ترد فيها.
وحافظ ابن عبد الباقي في الغالب على تسمية أبوابه كما وردت في الأصل الذي نقل منه مادة أبوابه، وقد يجمع في بابٍ واحدٍ بابين أو أكثر وردا في الأصل، ويشير إلى بداية الباب الثاني بقوله فصلٌ في كذا، أو مسألة في كذا كما ورد العنوان في الأصل، وقد لا يشير إلى ذلك. وفي حالة نادرةٍ قسَّم محتوى بابٍ واحدٍ في الأصل إلى بابين في كتابه، وهما البابان الحادي والعشرون، والثاني والعشرون.
ونظرًا لنقل ابن عبد الباقي الحرفي من أكثر من مصدر فقد كرّر محتوى بعض أبوابه؛ كما هو الحال في البابين الرابع والسادس.
أهمّ ما أضافه ابن عبد الباقي لكتابه هو تعليقاته على بعض ما أورده في كتابه، وبلغ عدد تعليقاته به ثلاثةً وثلاثين تعليقًا([8])، يبتدئها بقوله: “قال العبد الأقلّ المصنّف لهذا الكتاب عبد الباقي محمد بن علي بن محمد بن عبد الباقي”([9])، أو “قال مؤلِّف هذا الكتاب عبد الباقي محمد بن علي بن عبد الباقي”([10])، أو “قال عبد الباقي محمد بن علي بن محمد بن عبد الباقي”([11])، أو “قال عبد الباقي محمد بن علي بن عبد الباقي”([12])، أو “قال عبد الباقي محمد بن علي”([13])، أو “قال عبد الباقي”([14])، أو “قال المؤلِّف”([15])، أو “قال المصنّف”([16])، أو “قال المؤلِّف لهذا الكتاب”([17]).
وتعليقات ابن عبد الباقي لا تتجاوز في الغالب الأسطر المعدودة، وقد تطول لتصل قريبًا من صفحةٍ([18])، وهي في مجملها استدراكٌ على بعض ما نقله في كتابه، أو توجيهٌ له، أو تفسيرٌ وبيانٌ للمشكل منه، أو زيادة فائدة عليه.
وممّا يميّز الكتاب أبوابه التاريخيّة؛ خاصّة الباب الحادي والثلاثين منه، وهو في ذكر فتن أهل عُمان؛ إذ يعدّ محتواه عن تاريخ عمان في القرون الثلاثة الأولى مادةً تأريخيةً مهمّةً، ولا أعلم مرجعًا سابقًا له أوردها بالصورة التي عرضها ابن عبد الباقي فيه، ويشبه عرضه ما جاء في كتاب كشف الغمّة لمؤلِّفه سرحان بن سعيد الإزكوي (حي1167هـ)، وهو كتابٌ متأخرٌ عنه، ويبدو أنّ مصدرهما واحدٌ، ولكن لم يصرِّح به واحدٌ منهما، ويبقى كتاب المراقي لابن عبد الباقي هو الأقدم منهما.
وخاتمة القول أنّ كتاب المراقي تراثٌ جديدٌ لابن عبد الباقي، لم يكن يُعرف منه إلا اسمه، أو أوراقٌ قليلةٌ منه، وهو يرجع إلى القرن التاسع الهجري، الذي لم يصلنا من تراثه إلا القليل.
([1]) محمد بن علي بن عبد الباقي النزوي، وشهرته ابن عبد الباقي، كان حيًّا إلى سنة 906هـ/ 1501م. فقيه ناظم للشعر، من بلدة العقر من نزوى. أخذ العلم عن صالح بن وضّاح المنحي، وعبدالله بن مداد، وغيرهما. من آثاره العلميّة: كتاب المراقي، وهو موضوع هذا المقال، وأرجوزة في الفقه، تقع في أكثر من 5000 بيت، وأجوبة كثيرة في مختلف أبواب الفقه. يراجع: معجم الفقهاء والمتكلّمين الإباضية/ قسم المشرق، فهد بن علي بن هاشل السعدي، (ط1، الناشر: مكتبة الجيل الواعد/ سلطنة عمان، 2007م)، 3/140-141.
([2]) إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان، سيف بن حمود بن حامد البطاشي، (الناشر: مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي/ سلطنة عمان)؛ 2/217.
([4]) الدليل على ذلك أنه أحال معنى مسألةٍ في كتابه (ص148) إلى ما يأتي، ولم ترد بعدُ إلا ضمن هذه المسائل المذكورة في أصول الدِّين (ص354ـــ355).
([5]) الأبواب التي صرّح بمصدره فيها سبعة، وهي: الأول، والثالث، والرابع، والسابع، والثامن، والتاسع، والسادس عشر.
([6]) الأبواب التي لم يصرِّح بمصدره فيها بقيّة الأبواب، وعددها ثمانية وعشرون بابًا، وهي: الثاني، والخامس، والسادس، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، والسابع عشر، والثامن عشر، والتاسع عشر، والعشرون، والحادي والعشرون، والثاني والعشرون، والثالث والعشرون، والرابع والعشرون، والخامس والعشرون، والسادس والعشرون، والسابع والعشرون، والثامن والعشرون، والتاسع والعشرون، والثلاثون، والحادي والثلاثون، والثاني والثلاثون، والثالث والثلاثون، والرابع والثلاثون، والخامس والثلاثون.
([7]) انظر مثلًا: المراقي ص48ــ49، 85ـــ86، 90
([8]) انظر: المراقي ص7، 9 (تعليقان)، 14، 18، 22، 49، 61، 73، 75 (تعليقان)، 78 (ثلاثة تعليقات)، 79، 80، 81، 105، 108، 155، 175، 189 (تعليقان)، 203، 280، 317، 321، 322، 323، 344 (ثلاثة تعليقات)، 347.
([11]) انظر: المراقي ص175، 344.
([12]) انظر: المراقي ص14، 108.
([13]) انظر: المراقي ص9، 18، 22، 79، 80، 81، 105، 108، 189، 203، 322، 323، 344، 347.
([14]) انظر: المراقي ص9، 49، 61، 78، 79، 344.
([16]) انظر: المراقي ص78، 189، 280، 321.