إعادة اكتشاف مكتبة شاعر الشرق

محمد بن عامر العيسري

كان الحديث عن مكتبة شاعر الشرق الشيخ أحمد بن عبدالله الحارثي، القابعة ببلدة المضيرب من شرقية عمان، مثار اللهفة ومبعث الشغف في أوساط المشتغلين بالتراث، ذلك لأنها برحيل صاحبها سنة 1416هـ/1995م قد غابت عن المشهد أو أوشكت إلا في القليل النادر. ليس هذا فحسب، بل لأن ثمة إشارات وتكهنات باحتواءها على كتب نفيسة، منها مثلًا إشارة المؤرخ سيف بن حمود البطاشي إلى أوراق من كتاب المراقي لمحمد بن علي بن عبد الباقي (ق9هـ) اطلع عليها في هذه المكتبة، وقد كان هذا الكتاب في عداد المفقودات حتى عهد قريب. زد على ذلك أن الشاعر صاحب المكتبة كان رئيسًأ لدائرة جمع التراث العماني التي أُنشئت بوزارة الإعلام والسياحة سنة 1393هـ/ 1973م، ثم عُيّن رئيسًا لهيئة جمع المخطوطات العمانية، وهي أول مؤسسة حكومية في عهد السلطان قابوس متخصصة في العناية بالمخطوطات، وقد أنشئت سنة 1974م وبقيت تؤدي مهامها حتى أنشئت وزارة التراث القومي والثقافة سنة 1976م، وكل ذلك يقودنا بداهة إلى الجزم بعناية صاحب المكتبة بالمخطوطات وأخواتها من الكتب المطبوعة النادرة، لا سيّما أنه ينتمي إلى أسرة اشتغلت بالعلم ردحًا من الزمن، وبرز منها فقهاء وأدباء. وأذكر أنني التقيت نجله الأزهر سنة 1425هـ/ 2004 بعد نحو عقد من رحيل أبيه، وأبديت له الرغبة الجامحة في زيارة المكتبة، لكن القدر جمعنا هنالك لأول مرة صبيحة الجمعة 5 رجب 1436هـ/ 24 ابريل 2015م بعد عقد ونيّف من حديثنا الأول عن المكتبة.

من هو أبو الحكم ؟

أبو الحكم أحمد بن عبدالله بن أحمد بن صالح الحارثي، شاعر أديب ولد بين سنتي 1341-1346هـ/ 1923-1928م ونشأ يتيمًا إذ مات أبوه وهو صغير، فكفله عمه صالح بن أحمد بن صالح (ت:1401هـ/1981م). تلقى علوم العربية بالمضيرب على يد ناصر بن سعيد النعماني، كما درس في يفاعة عمره بمدينة نزوى، وممن تعلم على يديهم سعود بن عامر بن خميس المالكي ومحمد بن شامس البطاشي، وعلي بن سالم الحباسي الحجري، وحامد بن ناصر الشكيلي، وخلفان بن جميّل السيابي، وسفيان بن محمد الراشدي.

تقلد الولاية  للإمام محمد بن عبدالله الخليلي وللسلطان سعيد بن تيمور على سمائل وبدية، وفي عهد السلطان قابوس بن سعيد شغل عدة مناصب أولها كان واليًا على إزكي وبدية، ثم وكيلًا لوزارة شؤون الأراضي، ثم رئيسًا لدائرة جمع التراث العماني، ثم رئيسًا لهيئة جمع المخطوطات العمانية، ثم مستشارًا بالديوان السلطاني.

كان شاعرًا شغوفًا بالأدب طوال حياته وله آثار شعرية ونثرية وديوان مطبوع، وقد لُقّب بشاعر الشرق، وله آثار نثرية غير منشورة، وبعضها مفقود. توفي بمسقط يوم 26 ربيع الآخر 1416هـ/ 22 سبتمبر 1995م، ودفن ببلده المضيرب.

نوادر عمانية من خزانة أبي الحكم

كانت رحلة اكتشاف مكتبة شاعر الشرق التي سماها (مكتبة الأزهر) تيمنًا بأصغر أولاده رحلة مثيرة رغم اقتصارها حتى اليوم على زيارات ثلاث كانت أخراهن نهار الأحد 29 رجب 1439هـ/ 15 ابريل 2018م، ويومها قد مضت على أُولاهن ثلاث سنين.

في ذلكم البناء الصغير المستدير تقبع بضع مئات من أوائل المطبوعات في أرفف متتابعة ذات أبواب زجاجية قد رسمت دائرة تبهج الناظر، وتنتهي بخزانة المخطوطات القابعة في آخر الدائرة، ذات الشمال للداخل إليها.

أما أوائل المطبوعات التي تحتل السواد الأعظم من المكتبة فتندس بينها الكثير من النوادر، ليس آخرها على سبيل المثال الطبعة الاستشراقية لديوان المتنبي بشرح العكبري المطبوعة سنة 1261هـ، ومتن الجامع الصحيح للربيع بن حبيب، المطبوع بمطبعة النجاح بالقاهرة سنة 1328هـ، والعديد من مطبوعات المطبعة السلطانية بزنجبار، وكتب أخرى كثيرة. وقد تملكني العجب من منظر الكثير من الكتب القابعة في جانب من المكتبة، لأن جلودها على نسق واحد، فإذا بأكثرها مجلدة بالتجليد الذي ساد في جزيرة زنجبار إثر إنشاء المطبعة السلطانية على يد السلطان برغش بن سعيد، وإذا بالكثير منها عليها تمليكات لأحد الفقهاء الذين عاشوا هنالك ردحًا طويلًا من الزمن، حينها بطل العجب بمعرفة السبب، وهي فيما يبدو قد آلت إلى المكتبة كما تنتقل الكتب بين الخزائن إما شراءً أو هبةً أو وقفًا أو ما في حكمها.

وفي هذه العجالة نضرب صفحًا عن المطبوعات، ونيمم شطر المخطوطات التي بلغت حسب الرصد خلال الزيارات الثلاث 120 مجلدًا، أما العنوانات فقد تكشف عن تعدادها وتفصيل نوادرها فهرسة الخزانة في قادم الأيام بعون الله. وأقتصر هنا على سرد بعض ما وقفت عليه من نوادر في خزانة المخطوطات بالمكتبة، وقد آثرنا تسميتها (خزانة أبي الحكم):

  • المصحف الشريف، بخط الناسخ الشهير أحمد بن عبدالله الخليلي سنة 1028هـ، نسخه لمحمد بن أحمد السياري. ولم نظفر حتى اليوم بمصحف مؤرخ نسخه عماني قبل هذا التاريخ، وهو بذا أقدم مصحف عماني مؤرخ مما اكتُشِف حتى اليوم.
  • الجزء الثالث من كتاب الإقليد لمحمد بن سالم الدرمكي الإزكوي، وهو جزء غير مكتمل، وفي صفحاته بياض كثير، والأبواب الموجودة منه في السير والتواريخ، ويظهر أنه بخط المؤلف حين نقابله بنسخة الجزء الأول التي بخطه، وهي المحفوظة بدار المخطوطات العمانية برقم (1640)، والمؤلف ينص في ديباجتها بأن الكتاب في خمسة أجزاء إذ يقول: »وقد جعلتُه خمس قطع؛ الأولى: في طلب العلم وفي الأصول ووظائفها. والثانية: في الأديان ومعارفها. والثالثة: في الأحكام وما يتولد فيها من مواقفها. والرابعة: في الأموال ومعرفة المباحِ والمحظور من تالدها وطارفها. والخامسة: في أمر النكاح وهي آخر القطع . «
  • القصيدة الحلوانية، لمحمد بن سعيد الأزدي القلهاتي (ق6هـ)، وهي في كراسة قد ذهب أولها وآخرها.
  • ديوان الشاعر الملك سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني (ق9-10هـ)، المسمى (غرر القصائد ودرر القائد)، منسوخ سنة 1342هـ لأبي مالك عامر بن خميس المالكي، ولم نظفر من قبل إلا بنسخ ثلاث لهذا الديوان.
  • كتاب الحوائج، في الفقه، لمؤلف مجهول (ق11-12هـ)، وقد ذهبت بعض أوراقه، ولم نجد له نسخة أخرى سوى نسخة واحدة بدار المخطوطات العمانية برقم(3221)، وأكثره جوابات عدد من فقهاء عصر اليعاربة على سؤالات أهل ضنْك، وأول أبوابه في العقيدة وآخرها في الحدود.
  • كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة، لسرحان بن سعيد الإزكوي (ق12هـ) منسوخ ليحيى بن خلفان بن أبي نبهان الخروصي سنة 1304هـ بقلم سعيد بن سليم بن حماد القصابي. وهذه النسخة تضاف إلى النُّسَخ السبع عشرة التي رصدها أ.سلطان بن مبارك الشيباني من الخزائن العمانية ومكتبات العالم، وفهرسها في بحثه الذي ضمّنه في كتابه (أمالي التراث).
  • رسالة (الصراط المستقيم) لعلي بن محمد بن علي المنذري (ت1343هـ) في التوحيد، ردًا على ما كتبه عيسى بن علي البرواني.
  • مكارم الأخلاق وجواهر الأعلاق، لعامر بن عبدالله بن غريب العقري النزوي، منسوخ سنة 1233هـ للسيد سالم بن سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد.
  • منهج المريدين وبلاغ المقتصدين، لخميس بن سعيد الشقصي الرستاقي، الجزء الثالث منه في الزكاة، وفي خاتمته أشار الناسخ إلى أن الكتاب في ستة أجزاء.
  • أرجوزة هداية العميان في الحقوق الواجبة على الإنسان لسيف بن حمد بن شيخان الأغبري (ت 1380هـ)، وهي بخط المؤلف سنة 1332هـ.

المخطوطات غير العمانية

تضم الخزانة جملة وافرة من الكتب المخطوطة غير العمانية، منها بعض كتب إباضية المغرب ككتاب (الجواهر المنتقاة في إتمام ما أخل به كتاب الطبقات) لأبي القاسم البرادي (ت 810هـ) و(معالم الدين) لضياء الدين عبدالعزيز بن إبراهيم الثميني (ت 1223هـ)، ومخطوطات أخرى في التفسير والحديث واللغة والفقه وأصوله، والأدب والتاريخ وغيرها، منها مثالًا لا حصرًا:  (تفسير البيضاوي) و (الكوكب المبين لشرح الأربعين)، و(المنهل الروي شرح منظومة الإمام اللغوي في مصطلح الحديث) لسليمان بن يحيى الأهدل الزبيدي الشافعي (ت1197هـ)، و جزء من (تيسير الوصول إلى جامع الأصول من حديث الرسول) لعبدالرحمن بن علي بن محمد  الشيباني(ت944هـ) بقلم حمد بن محمد بن عمر بن سليمان الريامي، نسخه ليحيى بن خلفان بن أبي نبهان الخروصي سنة 1322هـ، و(ديوان التلمساني) لعفيف الدين سليمان بن علي التلمساني(ت690هـ)، منسوخ سنة 1091، وهو ضمن مجموع به كتب أخرى، ونسخة من (فتاوى أحمد بن حجر الهيتمي)، وكتاب (معاهد التنصيص على شواهد التلخيص)، لزين الدين عبدالرحيم بن وجيه الدين عبدالرحمن بن أحمد العباسي الشافعي (ت 963هـ)، وغيرها كثير.

سقط الزند

أختم هذه الأسطر بالقول إن ذخائر مكتبة شاعر الشرق لا تنتهي فحسب عند أوائل المطبوعات وخزانة المخطوطات التي سميناها (خزانة أبي الحكم)، وإنما هنالك وثائق وقفتُ على بعضها في المكتبة، وأشارت إلى البعض منها أيضًا د.جوخة بنت محمد الحارثية التي جمعت شتات شعر أبي الحكم وحققته، ثم صدر مطبوعًا عن مركز الدراسات العمانية بجامعة السلطان قابوس. والمأمول أن تكشف الأيام عن الجديد من أسرار وذخائر المكتبة حالما تفهرس أوعيتها من مخطوطات ومطبوعات ووثائق، وتُوَجَّه صوبها أنظارُ الباحثين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *